الأمية في فلسطين
قال الله تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ{
) القرآن الكريم : سورة آل عمران ، 75 – 76(
وقال تبارك وتعالى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {
) القرآن الكريم : سورة الجمعة – 2(.
يلتحق الطلبة الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة ذكوراً وإناثا في عدة أنواع من المدارس وهي : المدارس الحكومية والأهلية الخاصة ومدارس وكالة الغوث الدولية . وهناك بعض الفئات العمرية من البنين والبنات تسربت من المدارس الأساسية في المرحلتين الابتدائية والإعدادية خلال العقود الخمسة الأخيرة وأحداث نكبة فلسطين عام 1948 وما قبلها . وقد بدأ الاهتمام الفلسطيني بصورة حقيقية بمكافحة الأمية في عام 1977 حيث شكلت "اللجنة العليا لمكافحة الأمية وتعليم الكبار في الضفة الغربية وقطاع غزة" حيث ضمت ممثلين عن الاتحادات الجمعيات ووحدة محو الأمية في جامعة بيرزيت وبعض المؤسسات الأخرى . ووصلت نسبة الأمية في المجتمع الفلسطيني بالضفة الغربية وقطاع غزة للذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة نحو 7 ر15 % ، وتصاعدت لنحو 23 % بين الإناث بينما بلغت بين الذكور 6 ر8 % عام 1996 حسب بيانات دائرة الإحصاء المركزية . وتراوحت نسبة الأمية في العام ذاته ، حسب المناطق الجغرافية على النحو الآتي : في الريف 4 ر 18 % ، في المخيمات 5 ر 15 % ، وفي المدن 8 ر 12 % . وبلغت نسبة الأمية الكبرى في الفئة العمرية ما فوق 65 سنة حيث وصلت 6 ر37 % في الضفة الغربية و8 ر 26 % في قطاع غزة . من جهة أخرى ، بلغت معدلات والكتابة حسب الفئة العمرية ما بين 15 – 19 سنة نحو 97 % وهي نسبة عالية ممن يقرؤون ويكتبون في الضفة وغزة.
أسباب انتشار الأمية في فلسطين
نجحت ظاهرة انتشار الأمية بين أبناء الشعب العربي الفلسطيني طيلة الفترة الماضية ، وخاصة بين الفتيات والنساء الفلسطينيات لعدة أسباب سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية عامة ، ومن ابرز هذه الأسباب ما يلي:
أولا : الأسباب السياسية : نجمت عن الاحتلال البريطاني منذ الحرب العالمية الأولى وأوائل العقد الثاني من القرن العشرين . بالإضافة إلى تزايد انتشار الأمية إبان عهد الاحتلال الإسرائيلي عبر العقود الخمسة الماضية والتي حرم فيها المواطن الفلسطيني من حقه في التعليم العام ، وكانت سنوات السبعينيات والثمانينات من السنوات العجاف التي زادت من ظاهرة استفحال الأمية في المجتمع الفلسطيني بعامة والقطاع النسوي بخاصة حيث تم تشريد الطالبات من الصفوف المدرسة بصورة قسرية أو غير مباشرة بسبب اقتحام قوات الاحتلال لقاعات التدريس المدرسية في مراحل الانتفاضات الوطنية ضد الاحتلال في عام 1976 ، وإغلاق المدارس والمؤسسات الثقافية بصورة شبه مستمرة إبان الانتفاضة.
ثانياً : الأسباب الاجتماعية : تمثلت في تفضيل تعليم الأبناء الذكور على الإناث إلى حد ما ، ووفاة معيل الأسرة وغياب الإنسان الذي يشرف اجتماعياً وتعليمياً على مسيرة الأبناء وخاصة الإناث في المدارس.
ثالثاً : الأسباب الاقتصادية : تمثلت في قلة المستويات المعيشية وضعف الميزانية الأسرية المخصصة لتعليم الأبناء وإعطاء مسألة توفير القوت اليومي الأولوية على التعليم هذا بالإضافة إلى عدم وجود المدارس في الريف للإناث بشكل كاف مما اضطر الفتيات لترك التعليم بعد الصفوف الابتدائية الأولى . زد على ذلك أن عدم كفاية المخصصات المالية لشراء المستلزمات المدرسية من القرطاسية والملابس والأحذية وصعوبة المواصلات للالتحاق بالمدارس الغربية من المدن أدت إلى تضاعف أعداد الفتيات الأميات ، وكل ذلك ناجم عن سوء الأوضاع الاقتصادية العامة وكثرة عدد أفراد الأسرة.
رابعاً : الأسباب النفسية العامة : وهي عدم تقبل نظام التعليم المختلط بين الذكور والإناث في المدارس وخاصة في الريف ، أو عدم تقبل عملية التنقل إلى المدن للالتحاق بإحدى المدارس أو عدم تقبل عملية التنقل إلى المدن للالتحاق بإحدى المدارس المخصصة للإناث . هذا بالإضافة إلى وجود الإعاقات الجسدية والحسية والمختلطة التي تعيق عملية الالتحاق بالمسيرة التعليمية الأولى والمتوسطة والثانوية على حد سواء ، أو رسوب الفتاة أحيانا في صفها.
فمثلا ، لوحظ أن عام 1980 كان مزدهراً بأعداد الدارسين الإجمالي حيث بلغ 5475 دارساً ودارسة ، بينما شهدت الانتفاضة تراجعاً للدارسين في محو الأمية مما انخفض إلى 1000 . بينما بلغ عدد المراكز لمحو الأمية عام 1997 /32 مركزاً حكومياً منها 15 مركز محو الأمية بين النساء ، وبلغ عدد الدارسات 373 دارسة.
تبلغ نسبة الأمية في المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بين الإناث نحو ثلاث أضعاف نسبة الأمية بين الذكور وذلك حسب إحصائية دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية في تشرين الأول 1996 حيث جاء في هذه الإحصائية.
- نسبة الأمية بين السكان الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة بلغت 15.7% ، وتزايدت نسبة الأمية بين الإناث لتصل إلى 23% في حين بلغت نسبة الأمية بين الذكور نحو 8.6% . أما نسبة الأمية حسب التوزيع الجغرافي فوصلت في الريف 18.4% وفي المخيمات 15.5% وفي المدن 12.8%.
- أما بشأن معدلات القراءة والكتابة حسب الفئات العمرية فكانت 97% بين الفئة العمرية من 15-19 سنة تجيد القراءة والكتابة وكانت أدنى مستويات القراءة والكتابة في الفئة العمرية ما فوق 65 سنة حيث بلغت 37.6% في الضفة الغربية و 26.8% في قطاع غزة بين الجنسين.
مسؤولية محو الأمية من يتحملها ؟
هناك العديد من الجهات الرسمية والشعبية التي يمكنها أن تلعب دوراً في الحد من انتشار ظاهرة الأمية كمرض اجتماعي خطير ، ومن ابرز هذه الجهات:
أولا : وزارة التربية والتعليم : وتتمثل في تطبيق نظام التعليم الإلزامي وإتباع إجراءات تربوية صارمة للحد من ظاهرة التسرب من المدارس . ولا بد من التنويه هنا إلى أن نسبة التسرب من المدارس للطلبة الذكور والإناث بلغت بعد تسلم السلطة الوطنية الفلسطينية لصلاحيات التربية والتعليم عام 1995 نحو 2.2% سنوياً بينما كانت نسبة التسرب إبان الاحتلال الإسرائيلي تتراوح ما بين 15% - 18%.
ويجدر القول أن وزارة التربية والتعليم مدعوة لتصميم برامج تربوية حديثة عصرية لمحو الأمية وتقديم التسهيلات اللازمة لالتحاق الكبار في السن والصغار وخاصة الفئة النسوية ببرامج محو الأمية الرسمية والشعبية والمؤسساتية.
ثانياً : الأسرة الفلسطينية : فالأسرة هي نواة المجتمع ولها دور هام في استئصال الأمية من جذورها عبر الاهتمام في التعليم العام لكافة الأبناء ذكوراً وإناثا لمختلف الفئات العمرية وخاصة الفئات صغيرة السن.
ثالثاً : المؤسسات والجامعات والاتحادات والجمعيات الخيرية : حيث بإمكان هذه المؤسسات تنظيم برامج محو أمية مكثفة . وكانت الجمعيات الخيرية تلعب دوراً متميزاً في الحد من هذه ظاهرة الأمية عبر تنظيم صفوف مدرسية لمكافحة الأمية بين الكبار في السن وبصورة خاصة برامج أمية للنساء ، إلا أن دورها تراجع وبحاجة إلى تجديد من جديد بصورة جدية وتوفير صفوف محو أمية في أماكن جغرافية قريبة من سكن الأميين في المدارس الحكومية للبنين والبنات.
رابعاً : وسائل الإعلام الجماهيرية المحلية : من إذاعة وتلفزيون إذ انه بإمكانها أن تلعب دوراً مرموقاً في هذا المجال بواسطة تنظيم وإعداد برامج إذاعية لمكافحة الأمية وإنتاج أفلام وحلقات تلفزيونية مخصصة للاميين.
وزارة التربية والتعليم والأمية
تواصل اهتمام وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ببرامج محو الأمية ، فقد أنشأت قسماً خاصاً ل "التعليم غير النظامي" تابعاً للإدارة العامة للتعليم العام . وقد أشرفت الوزارة على 32 مركزاً لمحو الأمية منها 17 مركزاً للذكور و 15 مركزاً للإناث التحق بها 392 دارساً تسرب منهم في نهاية الفصل الدراسي لمحو الأمية 46 دارساً ، في حين التحق من النساء بمراكز محو الأمية 373 امرأة تسرب منهن في نهاية الفصل 40 امرأة . أي أن نسبة تسرب الذكور أكثر من نسبة تسرب الإناث وان دل هذا على شيء فإنما يدل على مدى حاجة المرأة للتعليم لتتمكن من تسيير حياتها العملية بصورة أحسن ومساعدة أطفالها من المذاكرة اليومية للدروس المدرسية.
الأهداف المتوخاه من برامج محو الأمية
تحت عنوان "أنا اقرأ ، أنا اكتب ، أنا أتعلم ، … نحو غد بلا أمية " أصدرت الإدارة العامة للتعليم العام – برامج محو الأمية وتعليم الكبار نشرة بينت فيها الأهداف المرجوة من برامج محو الأمية وتعليم الكبار كما ما يلي:
أولا : مواجهة ظاهرة الأمية لإزالتها.
ثانياً : نشر الوعي عند هذه الفئة ودفعها للالتحاق بمراكز محو الأمية وتعليم الكبار.
ثالثاً : تمكين هذه الفئة من اكتساب المهارات الأساسية وتفعيلها من القراءة والكتابة والحساب.
رابعاً : تنمية الفرد اجتماعياً واقتصادياً لتلبية احتياجاته الذاتية والمجتمعية.
خامساً : تحسين المستوى التعليمي والثقافي للدارسين الملتحقين بهذه المراكز.
سادساً : الحرص على عدم ارتداد الدارس أو الدراسة ثانية إلى الأمية بتوفير مواد لمرحلة المتابعة.
سابعاً : تحقيق التواصل والاتصال مع المؤسسات المعنية بالبرامج محلياً وعربياً ودولياً.
المشاكل والمعوقات
هناك العديد من المشاكل والمعوقات التي تحد من تنامي برامج محو الأمية الحكومية الرسمية أو المؤسسية والشعبية العامة ، ومن أهم هذه المشاكل والمعوقات:
أولا : نقص التمويل المالي اللازم.
ثانياً : عدم وجود مراكز لصفوف الأمية للنساء بشكل كاف من متناول الدراسات.
ثالثاً : المناهج والمقررات الدراسية : مناهج تقليدية وتعالج مواضيع قديمة في كثير من الأحيان ولا بد من الارتقاء بها لتصل إلى مستويات فضلى تعالج كافة الشؤون الحياتية اليومية والمهنية.
رابعاً : عدم وجود طاقم بشري مدرب من المعلمات للنهوض بخدمات محو الأمية.
خامساً : اللامبالاة وعدم رغبة الأميات في متابعة الالتحاق ببرامج محو الأمية بسبب عدم وجود حوافز مادية ومعنوية مثل بدل المواصلات وتوفير قصص وكتب ذات مستويات تناسب الدراسات وعدم ملائمة للوقت.
ولتسليط الضوء على ظاهرة الأمية بين النساء التقينا السيدة عائشة بكير / رئيسة قسم التعليم غير النظامي في وزارة التربية والتعليم للاطلاع على أوضاع وظروف وهموم برامج محو الأمية الرسمية فقالت:
إن الوزارة تولي مسألة محو الأمية أهمية لائقة وتحاول تجنيد كوادر بشرية وتنظيم دورات وفصول لمحو الأمية في مختلف المحافظات الفلسطينية من خلال توفير حوافز للدارسين مثل قرب المركز المخصص لمحو الأمية من مكان السكن وطباعة نشرات عن الدارسين والدارسات والاحتفاظ بها في الوزارة وتقديم حوافز مادية للدارسات وتقديم مصاحف للدارسين وغير ذلك.
وحول أبعاد برنامج محو الأمية الحكومي تضيف عائشة بكير :
يشمل البرنامج على ثلاثة أبعاد هي : البعد التعليمي : لإزالة أمية الدارس أو الدارسة الأبجدية . والبعد الإرشادي ويتركز حول مواضيع الصحة ، العلوم ، الثقافة العامة ، البيئة، التنمية السكانية ، الأمومة والطفولة ، والبعد الثالث هو البعد ألتأهيلي ويتمثل في توفير كمبيوتر لتعليم الطباعة والسكرتارية لبعض الدارسات للتسهيل عليها للالتحاق بوظيفة معينة.
وعن المناهج التعليمية المتبعة في برنامج محو الأمية تشير عائشة بكير إلى أن هناك عدة مواضيع يتم تدريسها وهي الحساب والعربي والدين عبر كتب التنمية الحياتية للأسرة والوسيط في اللغة العربية وكتاب رياضيات كانت صدرت عن برنامج محو الأمية في جامعة بيرزيت أو اللجنة العليا لمحو الأمية وتعليم الكبار.
وتؤكد رئيسة قسم التعليم غير النظامي بوزارة التربية والتعليم انه تم اختيار وقت مسائي لدوام الدراسات يومي الأحد والثلاثاء من الساعة الثالثة وحتى الخامسة مساء أسبوعيا في حين حدد يومي السبت والاثنين لدوام الدارسين الذكور من الثالثة وحتى الخامسة مساء أيضا أما بالنسبة لمدة الدراسة في برنامج محو الأمية فيستمر سنتين دراسيتين . أربعة فصول دراسية بما يعادل الصف السادس الأساسي وبالإمكان الدارسة أو الدارس في برنامج محو الأمية الذي يجتاز السنتين الدراسيتين بنجاح (حيث أن كل سنة دراسية تستمر عشرة شهور تعادل ثلاث صفوف ابتدائية .) أن يتابع مسيرته التعليمية للحصول على شهادة الثانوية العامة بعد التقدم لامتحان المستوى العام الذي تعقده وزارة التربية والتعليم وذلك لمن أراد الالتحاق بإحدى الجامعات أو المعاهد العليا المحلية .
وعن أسباب التسرب في صفوف محو الأمية تقول السيدة بكير : هناك عدة أسباب من أبرزها:
1) خجل الدارس / ة
2) البعد الجغرافي لمركز محو الأمية عن مكان سكن الدارسة
3) عدم ملائمة الوقت المحدد
4) قلة الوسائل التعليمية وعدم الرغبة في مواصلة التعليم
5) أمور عائلية
6) المرض أو السفر
7) صعوبة المناهج بالنسبة للدارسين والدارسات كل على حده
قلة الحوافز المادية
منتديات أميرة البشر - شموع الحب - قسم أبحاث علمية .